الثلاثاء، 24 مارس 2015
الثلاثاء, مارس 24, 2015

إشراقات شنقيطية :الحلقة الثانية دخول القبائل الصنهاجية لاسلام قبل قيام الدولة المرابطية

محمد فاضل ولد أحمدو

تحتفظ الذاكرة الشعبية الموريتانية إلى أيامنا هذه باسم البطل الإسلامي :عقبة([1]) بن نافع الفهري ( ت 63هـ 683م ) وتقول بعض الروايات التاريخية أنه واصل فتوحاته سنة 46هـ إلى المغرب الأقصى حتى وصل القيروان ثم إلى السوس حتى وصل "ولاته"([2]) في الشرق الموريتاني ويروى كذلك أن عقبة خلف ابنه العاقب يسير" ولاته" المعروفة حينئذ "بآبير"، والراجح عند المحققين من الكتاب المعاصرين أن عقبة لم يتجاوز"السوس" بالمغرب الأقصى إن كان قد وصلها فعلا،([3]) ولعله أرسل بعض جنده إلى الصحراء حتى وصلوا هذه المنطقة .

في سنة 116هـ 734م قاد حبيب بن أبي عبيدة ([4])حفيد عقبة حملة على الصحراء ، فنشر الإسلام وحصل على غنائم كثيرة من الذهب وبعض السبايا ، ولم ينتصف القرن الثاني الهجري حتى دخل معظم قبائل صنهاجة في الإسلام لكنها ظلت فترة من الزمن على قدر كبير من الجهل بتعاليم الإسلام ونقص حاد في القيام بشعائره ، ولعل من أسباب ذلك غياب سلطة مركزية تثبت أركان الإسلام وتدرس قواعده وتنشر أصوله وتلزم الناس بشعائره وتطبق عليهم حدوده عند الاقتضاء والحاجة .

في بداية القرن الثالث الهجري بدأت قبائل صنهاجة تنظم شؤونها وتوحد كلمتها فلتفت حول ملك إسلامي هو "تلاكاكين"([5]) وخلفه من بعده ابنه "تيولوتان"([6]) ثم خلفه ابنه 222هـ فاستطاع الملثمون بذلك توسيع الخريطة الإسلامية وزعزعوا أركان الإمبراطورية الغانية واحتلوا مدينة " أودغست "([7]) وجعلوها عاصمة لهم ونشروا الإسلام فيما حولها من المناطق الزنجية ، وفي ظل هذه الإمارة نشطت المبادلات التجارية بين المغرب الأقصى وبلاد السودان عبر طرق الصحراء التي كانت تعبر مدنها العامرة " أودغست و كومبي صالح([8]) وولاته واستقبلت البلاد بعض التجار العرب الذين كان لهم دور في نشر الإسلام بالكلمة الطيبة والبيع السمح والسمت الحسن ،كما انطلقت وفود الحجيج إلى الديار المقدسة ذهابا وجيئة،فكان لها هي الأخرى دور في نشر تعاليم الإسلام ومبادئه .

في آخر عهد هذه الدولة (ظهرت الطبقية وانتشر الفساد وساد الظلم وانحسر الالتزام بالدين وتفرقت القبائل وأدى ازدهار التجارة في بلاد الملثمين إلى ظهور طبقة من الأثرياء تجمعت لديهم أموال عظيمة بسبب نشاطهم التجاري ، وعلى رأس هذه الطبقة الأمراء الذين استأثروا بالحكم وحافظوا على مصالحهم ، وكانت هذه الطبقة مستعدة لمقاومة من يهدد مصالحها أو يحاول انتزاع مكانتها وثروتها وجاهها ، مستخدمين الأساليب المشروعة والمحرمة ...([9]))

في خضم هذا الفساد الذي يشبه إلى حد كبير أوضاع كثير من البلاد الإسلامية في أيامنا هذه، فقد صار الإسلام شكليا في بلاد الملثمين وانحصر الالتزام به في مجموعات قليلة ورجعت فتوحاته القهقراء.

في بداية القرن الرابع الهجري تعرضت دولة صنهاجة لبلابل داخلية وضربات خارجية أدت إلى سقوطها على أيدي تحالف من الزنوج الوثنيين([10]) والزناتيين الخوارج ، فاضطر الصنهاجيون إلى الخروج من " أودغست " والانحسار نحو الشمال في عمق الصحراء وذلك قبل أن يتوحدوا مرة أخرى تحت قيادة الأمير اللمتوني : أبو عبيد الله بن تيفارت المعروف "بتاشرتا" اللمتوني الذي لم يلبث أن قتل على أيدي الغانيين([11]) فخلفه صهره يحيى بن إبراهيم فكان هذا الأمير على قدر كبير من العقل والحكمة ، فقرر بشكل حاسم سحب قومه عن المعارك وبدأ في التفكير بإصلاحهم من الداخل وغزو عقولهم بتعاليم الإسلام الصحيحة : عقيدة ومنهجا وسلوكا قبل أن يغزو بهم الأعداء ويفتح بهم البلدان وفي سنة 429هـ توجه الأمير يحيى إلى البلاد المقدسة لأداء فريضة الحج حاملا معه هموم قومه الذين كانوا بحاجة إلى جهد تربوي عميق وفكر إصلاحي شامل وعمل سياسي متواصل ... فكانت حجة الأمير فاتحة خير على أهل الصحراء كافة وعلى الصنهاجيين خاصة، إذ مهدت لقيام دولة إسلامية صنهاجية إفريقية في الصحراء هي دولة المرابطين .

الهوامش
========================
[1] - هو عقبة بن نافع بن عبد ألقيس الأموي الفهري من كبار القادة العرب الفاتحين، ولدفي حياة رسول الله صلي الله عليه وسلم سنة 1 ق هـــ وليست له صحبة، شارك مع عمرو بن العاص في فتح مصر ثم فتح "افريقية"وولاه عمرو علي"برقة" ففتح بلادا لمغرب وفي عهد معاوية ولاه علي افريقية ثم عزله فولاه يزيد بن معاوية في خلافته علي المغرب سنة 62هــــ فاستشهد سنة63هــ ومكان قبره في الجزائر بمنطقة تعرف الآن باسم "سيد عقبة".

[2] - مدينة أثرية في الشرق الموريتاني وسيأتي الحديث عنها ضمن مبحث المدن التاريخية.

[3] - ابن السعد: إمارة الترارزة، ص 80 (م س ).

[4] - هو حبيب.......

[5] - علي محمد الصلابي: تاريخ دولتي المرابطين والموحدين ص 20 (م س ).

[6] - ابن خلدون: كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر...(م س ) ج 6 ص 181.

[7] - أودغست: مدينة قديمة من عواصم الصحراء شهدت ازدهاراكبيرامابين القرنين ( 8 و11م) وتقع أطلالها في موضع يعرف اليوم ب"تعدا وست"يبعد 34 كلم إلي الشمال الشرقي من مدينة"تامشِكّطْ"بولاية الحوض الغربي بالشرق الموريتاني ( الناني بن الحسين: صحراء الملثمين، ص 322) م س.

[8] - كومبي صالح:عاصمة سلطنة "غانا"الإسلامية.

[9] - علي محمد الصلابي: تاريخ دولتي المرابطين والموحدين ص 18 (م س ).

[10] - ابن الأثير: الكامل في التاريخ / بيت الأفكار الدولية ( 2002 ) ج 9، ص 619.

[11] - حسن أحمد محمود: قيام دولة المرابطين، ط1 - دار الفكر العربي – القاهرة بدون تاريخ، ص 102
= ابن خلدون: التاريخ - ج 6 ص 182 (م س ).

mushahed.net
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق