أمير آدرار ، احمد ولد امحمد امتد حكمه عشرين سنة من 1872م إلى 1891م ، حين وصل إلى رأس الإمارة و هو لا يزال شابا ، بعد عشر سنوات من الصراعات الداخلية عقب موت جده احمد ولد عيده .
ترك الأمير احمد ولد امحمد بصمة بارزة في تاريخ الإمارة التي اتسع نفوذها السياسي و الإقليمي ، ولقب بالأمير العادل حيث برز الدور المحوري للقيم الإسلامية التي أصبح القرار السياسي يستمد شرعيته من تطابقه مع قواعد الدين و القيم الطائفية لمجتمع حسان القبلي، الذي هو أساس التراتبية الاجتماعية و التنظيم السياسي في الإمارة .
أمير السلم
إن تسمية احمد ولد امحمد بأمير السلم ليست من إنشاء مامادو با و كذلك سمعة العدالة و السلم المدني التي امتاز بها حكمه و هذا ما تشهد عليه القصيدة التي تنسب لولد المبارك :
من عافيت احمد لمحمد **** ول احمد ما يكبظ لغيار
حد إلحد ألا يعط حد **** الحد اتل ماه لخبار
.....................................
إن مامادو با و هو المعجب بالأمير ، قدم عنه وصفا سأتعرض له بشكل مطول . يصف أولا ملامحه البدنية و سلوكه ، انه قوي البنية و لكنه متحفظ ، و غير منفتح مع أنه يمتاز بالبساطة في علاقاته مع محيطه و الزوار الوافدين إليه . إنه يركز بشكل خاص على أخلاقه التي تختلف تماما مع عادات حسان – البساطة في الملبس ، عدم التدخين ، تجنب معاشرة الفنانين – هذا في الوقت الذي يتعلق فيه بقيم الشرف و النبل التي يعترف بها مامادو با لهؤلاء و التي تتمثل في سلالة الإمارة . و هذا الأمير حريص على المحافظة على فضائل الأجداد . و في النهاية يركز مامادو با على ورع الأمير :<< فإذا كان يحرم على نفسه الملذات التي يتعلق بها عادة نظراؤه فان الأمير الشاب مولع بالدراسة .إن له ذاكرة قوية ، و قد حفظ القرءان و مات و هو يحفظه .و قد درس فقه خليل و تابع في تعميق معلوماته في علوم الشريعة و القرءان . و قد كان متعطشا لمعرفة التاريخ و كان يتحمس إلى أقصى حد لتاريخ العباسيين ، و لعله كان يرغب في أن تحتفظ له الذاكرة بأنه أهل لان يعد من أمثال هارون الرشيد ، انه مثل خليفة بغداد المجيد ساس الإمارة بجدارة و أمانة ، و مثله أيضا كان يهتم بسعادة القبائل التابعة له .و كان يعطف أساسا على الذين لا وسيلة دفاع لديهم ، أي الزوايا و الإتباع . و من بعد نظره انه أدرك الدور الذي يمكن لهذه الفئات أن تلعبه في سبيل النهضة في البلد .
كان الشعور الديني عند احمد ولد امحمد قويا و عميقا . انه اشد أوقات البرد كان لا يترك الوضوء قبل الصلاة و في شهر رمضان كان يمتنع عن السفر تقديرا لهذا الشهر المبارك .و كان يخلوا بنفسه وقتا طويلا للتفرغ للعبادة و انعكس ذلك على طبعه .
عندما نقرأ هذا الوصف ندرك معنى الرسالة الاستفزازية التي أرسل إليه أمير اترارزة و كانت سببا في عودة حالة الحرب بين الإمارتين.
<< أرسل اعمر سالم أمير اترارة رسالة إلى احمد بن امحمد يطلب فيها فرسا من اغزالات بصيغة مليئة كبرياء . غضب احمد بن امحمد من هذا التصرف و في رده عليه قال له اعمر سالم : أنت تستحق ذلك لأنك تحيى حياة الزاوي . . استدعى احمد ولد امحمد جماعته و قال لهم إني ذاهب لأوفيه حسابه . كان ذلك في موسم الكيطنه و قال البعض إن الطقس حار على القيام بغزي فأجاب لا أبالي . نظم الغزي و باغتوا محصر أمير اترارزه بتيكنت بين روصو وانواكشوط و عاثوا فيه قتلا ونهبا يوما كاملا مخلفين 55 قتيلا من الرجال و فر الأمير اعمر سالم تاركا أهله و سرواله الأبيض و طبله و مواشيه . و في طريق عودتهم طاردهم اعمر سالم و لكنهم اجبروه على الفرار بعد قتل 12 رجلا من رجاله ، ثم هجم مهاجروا آدرار باستثناء لحزام بن المعيوف على الأمير فقطعوا عليه الطريق فقتل منهم 15 رجلا من المهاجمين و لما عاد البقية إلى محصر أمير اترارزه قال لحزام : كنت اعلم أن العاقبة ستكون هكذا لأنكم كنت تواجهون أسودا و ما كان ينبغي لكم أن تذهبوا وحدكم .
كان الأمير احمد ولد امحمد يحترم و يقدر الشخصيات الدينية و بصفة خاصة الشيخ محمد فاضل ولد اعبيد و لم يتوقف يوما عن مساندته على خصومه . و بالمقابل فان هذا الولي وضع في خدمته تأثيره الديني الكبير على أولاد غيلان >> ( 1929: 545 ) .
إن بعض عناصر السلوك الديني لاحمد ولد امحمد ملفت للانتباه . إن نفوره من الشعراء ايكاون و المغنيات يدل على بعده من قيم القادرية كما نشرت من طرف كنته الذين كان لهم الكثير من الفنانين من بين إتباعهم .و كذلك تحريمه استهلاك التبغ ، فهذا يشير إلى تأثير بالطريقة التيجانية الصارمة التي انتشرت في آدرار في هذه الفترة و خاصة في شنقيط .إن العلاقات المتميزة التي تربطه بالشيخ محمد فاضل الذي كان له نفوذ واسع في آدرار و على أولاد غيلان خاصة ليست بالضرورة متناقضة مع تأثير التيجانية الذي ذكرنا . من المعروف أن الفاضلية تدعي لنفسها أوراد كل الطرق التي ظهرت قبلها و هي بذلك تكون منفتحة فيما يتعلق بالسلوك الديني للمنتسبين لها .
هناك ميزة أخرى في الوصف به مامادو با الأمير ، بناء على شهادة المعاصرين لاحمد ولد امحمد ، إنها الحرص على التطبيق الفعلي للشريعة الإسلامية إن أمير السلم هو أيضا أمير عادل .
<< و مع انه كان يحب أن يجمع حوله الرجال المتمرسون على الحرب فانه كان له في بلاطه مجلس قضاء .فالقضاة عنده كانوا يتمتعون بالاستقلالية و الأمان و كانت أحكامهم لا حيف فيها ، و كانت أحكامهم تنفذ مهما كانت قساوتها و أيا كانت رتبة المحكوم عليه .
ففي السنوات الأولى من حكمه برهن على صرامته حين نفذ في بعض الذين ارتكبوا جرائم قتل ، إجراءات قاسية تمثلت في حرق الخيام و دفع غرامات باهظة و مرة أخرى عاقب بقسوة أفرادا استغلوا ناقتين ، في طرقهم عائدين من لبراكنه و كانوا قد وجدوها في آوكار .
إن وجهاء اعتبروا العقوبة غير مناسبة مع الخطأ و أرادوا أن يثنوا الأمير عن قراره ، فقالوا إن المعنيين اخذوا الناقتين كي ينجوا من أعداء كانوا يطاردوهم . أثار هذا التدخل حفيظة الأمير و رد بصوت لا يترك مجالا للمراجعة قائلا :<< إن تدخلكم لصالح معتدين لا يفاجئني لأنكم و آباءكم كنتم ستتصرفون مثلهم . و لكن ليكن في علمكم أنني انأ حفيد عثمان بن لفظيل أتحمل أمام الله و أمام الكون مسؤولية أمن هذا البلد الذي يمتد من الخط ( الحدود بين تكانت و آدرار ) الى رك المحون ( شمال آدرار سطف ) و أريد ان يسود الأمن في هذا الإقليم . و سأتعامل بدون رأفة مع كل من يمس من الأمن .
و على اثر هذه الأحداث أخذ الأمير مرسومه الشهير الذي ينص على أن :
- كل شاة ذبحت بدون حق يدفع ثمنها مضاعفا أربعة أضعاف
- من استغل جمل شخص آخر يدفع غرامة تساوي أربعة أضعاف الثمن الذي يدفع مقابل تأجير الجمل لمثل هذه المسافة
- كل عدوان سيترتب عليه تعويض يساوي أربعة أضعاف الضرر الناتج عنه ، كل هذا لا ينقص شيئا من العقوبات الشرعية التي سيحكم بها القضاة .
و قد انتشر خبر هذا القرار و تناقلته الأفواه في كل الأرجاء مطمئنا البعض ، و منذرا للبعض الآخر و مبشرا بميلاد عهد جديد في آدرار (Ba ,1929 : 546 )
و الحكايات كثيرة عن العدل و الأمن الذي انتشر في عهد احمد ولد امحمد و من أشهر هذه الحكايات الشاة التي ذبح الأمير و أمر بشيها ثم حملت على ظهر حمار و ترك يتجول بها موسم الكيطنه وقد وضعت فوق اللحم المشوي سكين . فمن شدة هيبة الأمير ظل الحمار يتجول يوما كاملا و على ظهره هذا اللحم المشوي دون آن يتجرأ أحد على تناول شيء منه .
إن سياسة احمد ولد امحمد مبنية على تطبيق الشريعة و قد أحاط نفسه بمحكمة أي قاض و فقهاء مشهورين بكفاءتهم و ضمن لهم استقلاليتهم في إصدار الحكم .انه عندما تم تنصيبه جمع خيلا و جمالا معدة دائما للسفر على مقربة من الحلة ليكون قادرا على دفع كل تهديد . و كان محاطا بمحاربين أوفياء و كان لا يتردد في تحريك عدد كبير من الجنود لقمع المتمردين و للتدخل في تسوية مطالبات بثأر أو في الحروب القبلية .
في عهد الأمير احمد ولد امحمد بدأت تتحدد الحدود بين مختلف الإمارات، من الناحية الجنوبية تحددت من خلال النزاعات التي وقعت أو تلك التي تلوح في الأفق ، وفي جهة الشمال استفاد نفوذ الإمارة من علاقة الامير احمد ولد امحمد الممتازة ببعض قبائل الشمال مما ساهم في حضور اكبر للإمارة في تلك المنطقة و سمحت سنة أمطار غزيرة للأمير أن يتوغل حتى وادي ادرة .و في سنة 1880م تسلم الأمير احمد ولد امحمد رسالة وهدايا من سلطان المغرب يعترف له فيها بنفوذه الذي يصل الحدود الجنوبية للمغرب .و استقبل الأمير سنة 1886م وفدا من الاسبانيين الذين بدؤوا انطلاقا من مكاتب صرافتهم على الشواطئ الصحراوية يخاطرون بالتسلل داخل الإقليم .
ظل التوتر الطائفي قائما ، و في الوقت الذي كان الأمير يبدو أنه متحكم في الصراعات الطائفية التي بإمكانها إضعاف سلطته ، و جد الأمير نفسه مقحما في نزاعات معقدة لا يستوعب مداخلها و مخارجها و تضع في الواجهة مشاكل الثأر و الحروب القبلية بالإضافة للتحالفات الطائفية التي هي أساس سلطته ، لم يوفق الأمير في كل تدخلاته في الصراعات الطائفية فتم الهجوم عليه في ربيع 1891م في الوقت الذي كانت الحلة تنتجع في تكانت و كانت إصابته بليغة .
استدعى احمد ولد امحمد ابن عمه احمد بن سيد احمد و قال له : امرر ثلاث مرات من فوق جثتي و اعلم أننا سنحاسب جميعا أمام الله . و اعلم أنه على كل واحد منا واجب . اطلب منك أمورا ثلاثة :
- أن لا تترك دمي يطول عليه العهد في ادوعيش
- أن لا تحمل الحقد لذويك ( يلمح له أن لا يحمل الحقد على اديشلي )
- أن لا تبعد أبدا أولاد غيلان من الساحة السياسية لإمارتك
أجابه احمد ولد سيد احمد : مت أنت و سأبدأ أنا مهمتي ، لو منحك الله الحياة أسبوعا لشاهدت بأم عينك ما سيكون .
و بعد يومين مات احمد ولد امحمد ودفن ، و تولى الإمارة احمد ولد سيد احمد و التفت حوله معظم قبائل آدرار و خاصة من بني حسان ضد اديشلي و ادوعيش و شهدت فترته صراعات و حروب عديدة حتى لقب بأمير الحرب .
------------------
المرجع
مقتطفات بشيء من التصرف للاختصار أساسا و المحافظة على الالفة بحذف بعض الاسماء
من كتاب إمارة آدرار الموريتانية :الحريم التنافس الحماية في مجتمع قبلي صحراوي-تأليف بيير بونت ترجمة الدكتور محمد بن بوعليبه بن الغراب-الطبعة الأولى-منشورات دار الجسور-انواكشوط موريتانيا 2012
المصدر:موقع النسابون العرب
ترك الأمير احمد ولد امحمد بصمة بارزة في تاريخ الإمارة التي اتسع نفوذها السياسي و الإقليمي ، ولقب بالأمير العادل حيث برز الدور المحوري للقيم الإسلامية التي أصبح القرار السياسي يستمد شرعيته من تطابقه مع قواعد الدين و القيم الطائفية لمجتمع حسان القبلي، الذي هو أساس التراتبية الاجتماعية و التنظيم السياسي في الإمارة .
أمير السلم
إن تسمية احمد ولد امحمد بأمير السلم ليست من إنشاء مامادو با و كذلك سمعة العدالة و السلم المدني التي امتاز بها حكمه و هذا ما تشهد عليه القصيدة التي تنسب لولد المبارك :
من عافيت احمد لمحمد **** ول احمد ما يكبظ لغيار
حد إلحد ألا يعط حد **** الحد اتل ماه لخبار
.....................................
إن مامادو با و هو المعجب بالأمير ، قدم عنه وصفا سأتعرض له بشكل مطول . يصف أولا ملامحه البدنية و سلوكه ، انه قوي البنية و لكنه متحفظ ، و غير منفتح مع أنه يمتاز بالبساطة في علاقاته مع محيطه و الزوار الوافدين إليه . إنه يركز بشكل خاص على أخلاقه التي تختلف تماما مع عادات حسان – البساطة في الملبس ، عدم التدخين ، تجنب معاشرة الفنانين – هذا في الوقت الذي يتعلق فيه بقيم الشرف و النبل التي يعترف بها مامادو با لهؤلاء و التي تتمثل في سلالة الإمارة . و هذا الأمير حريص على المحافظة على فضائل الأجداد . و في النهاية يركز مامادو با على ورع الأمير :<< فإذا كان يحرم على نفسه الملذات التي يتعلق بها عادة نظراؤه فان الأمير الشاب مولع بالدراسة .إن له ذاكرة قوية ، و قد حفظ القرءان و مات و هو يحفظه .و قد درس فقه خليل و تابع في تعميق معلوماته في علوم الشريعة و القرءان . و قد كان متعطشا لمعرفة التاريخ و كان يتحمس إلى أقصى حد لتاريخ العباسيين ، و لعله كان يرغب في أن تحتفظ له الذاكرة بأنه أهل لان يعد من أمثال هارون الرشيد ، انه مثل خليفة بغداد المجيد ساس الإمارة بجدارة و أمانة ، و مثله أيضا كان يهتم بسعادة القبائل التابعة له .و كان يعطف أساسا على الذين لا وسيلة دفاع لديهم ، أي الزوايا و الإتباع . و من بعد نظره انه أدرك الدور الذي يمكن لهذه الفئات أن تلعبه في سبيل النهضة في البلد .
كان الشعور الديني عند احمد ولد امحمد قويا و عميقا . انه اشد أوقات البرد كان لا يترك الوضوء قبل الصلاة و في شهر رمضان كان يمتنع عن السفر تقديرا لهذا الشهر المبارك .و كان يخلوا بنفسه وقتا طويلا للتفرغ للعبادة و انعكس ذلك على طبعه .
عندما نقرأ هذا الوصف ندرك معنى الرسالة الاستفزازية التي أرسل إليه أمير اترارزة و كانت سببا في عودة حالة الحرب بين الإمارتين.
<< أرسل اعمر سالم أمير اترارة رسالة إلى احمد بن امحمد يطلب فيها فرسا من اغزالات بصيغة مليئة كبرياء . غضب احمد بن امحمد من هذا التصرف و في رده عليه قال له اعمر سالم : أنت تستحق ذلك لأنك تحيى حياة الزاوي . . استدعى احمد ولد امحمد جماعته و قال لهم إني ذاهب لأوفيه حسابه . كان ذلك في موسم الكيطنه و قال البعض إن الطقس حار على القيام بغزي فأجاب لا أبالي . نظم الغزي و باغتوا محصر أمير اترارزه بتيكنت بين روصو وانواكشوط و عاثوا فيه قتلا ونهبا يوما كاملا مخلفين 55 قتيلا من الرجال و فر الأمير اعمر سالم تاركا أهله و سرواله الأبيض و طبله و مواشيه . و في طريق عودتهم طاردهم اعمر سالم و لكنهم اجبروه على الفرار بعد قتل 12 رجلا من رجاله ، ثم هجم مهاجروا آدرار باستثناء لحزام بن المعيوف على الأمير فقطعوا عليه الطريق فقتل منهم 15 رجلا من المهاجمين و لما عاد البقية إلى محصر أمير اترارزه قال لحزام : كنت اعلم أن العاقبة ستكون هكذا لأنكم كنت تواجهون أسودا و ما كان ينبغي لكم أن تذهبوا وحدكم .
كان الأمير احمد ولد امحمد يحترم و يقدر الشخصيات الدينية و بصفة خاصة الشيخ محمد فاضل ولد اعبيد و لم يتوقف يوما عن مساندته على خصومه . و بالمقابل فان هذا الولي وضع في خدمته تأثيره الديني الكبير على أولاد غيلان >> ( 1929: 545 ) .
إن بعض عناصر السلوك الديني لاحمد ولد امحمد ملفت للانتباه . إن نفوره من الشعراء ايكاون و المغنيات يدل على بعده من قيم القادرية كما نشرت من طرف كنته الذين كان لهم الكثير من الفنانين من بين إتباعهم .و كذلك تحريمه استهلاك التبغ ، فهذا يشير إلى تأثير بالطريقة التيجانية الصارمة التي انتشرت في آدرار في هذه الفترة و خاصة في شنقيط .إن العلاقات المتميزة التي تربطه بالشيخ محمد فاضل الذي كان له نفوذ واسع في آدرار و على أولاد غيلان خاصة ليست بالضرورة متناقضة مع تأثير التيجانية الذي ذكرنا . من المعروف أن الفاضلية تدعي لنفسها أوراد كل الطرق التي ظهرت قبلها و هي بذلك تكون منفتحة فيما يتعلق بالسلوك الديني للمنتسبين لها .
هناك ميزة أخرى في الوصف به مامادو با الأمير ، بناء على شهادة المعاصرين لاحمد ولد امحمد ، إنها الحرص على التطبيق الفعلي للشريعة الإسلامية إن أمير السلم هو أيضا أمير عادل .
<< و مع انه كان يحب أن يجمع حوله الرجال المتمرسون على الحرب فانه كان له في بلاطه مجلس قضاء .فالقضاة عنده كانوا يتمتعون بالاستقلالية و الأمان و كانت أحكامهم لا حيف فيها ، و كانت أحكامهم تنفذ مهما كانت قساوتها و أيا كانت رتبة المحكوم عليه .
ففي السنوات الأولى من حكمه برهن على صرامته حين نفذ في بعض الذين ارتكبوا جرائم قتل ، إجراءات قاسية تمثلت في حرق الخيام و دفع غرامات باهظة و مرة أخرى عاقب بقسوة أفرادا استغلوا ناقتين ، في طرقهم عائدين من لبراكنه و كانوا قد وجدوها في آوكار .
إن وجهاء اعتبروا العقوبة غير مناسبة مع الخطأ و أرادوا أن يثنوا الأمير عن قراره ، فقالوا إن المعنيين اخذوا الناقتين كي ينجوا من أعداء كانوا يطاردوهم . أثار هذا التدخل حفيظة الأمير و رد بصوت لا يترك مجالا للمراجعة قائلا :<< إن تدخلكم لصالح معتدين لا يفاجئني لأنكم و آباءكم كنتم ستتصرفون مثلهم . و لكن ليكن في علمكم أنني انأ حفيد عثمان بن لفظيل أتحمل أمام الله و أمام الكون مسؤولية أمن هذا البلد الذي يمتد من الخط ( الحدود بين تكانت و آدرار ) الى رك المحون ( شمال آدرار سطف ) و أريد ان يسود الأمن في هذا الإقليم . و سأتعامل بدون رأفة مع كل من يمس من الأمن .
و على اثر هذه الأحداث أخذ الأمير مرسومه الشهير الذي ينص على أن :
- كل شاة ذبحت بدون حق يدفع ثمنها مضاعفا أربعة أضعاف
- من استغل جمل شخص آخر يدفع غرامة تساوي أربعة أضعاف الثمن الذي يدفع مقابل تأجير الجمل لمثل هذه المسافة
- كل عدوان سيترتب عليه تعويض يساوي أربعة أضعاف الضرر الناتج عنه ، كل هذا لا ينقص شيئا من العقوبات الشرعية التي سيحكم بها القضاة .
و قد انتشر خبر هذا القرار و تناقلته الأفواه في كل الأرجاء مطمئنا البعض ، و منذرا للبعض الآخر و مبشرا بميلاد عهد جديد في آدرار (Ba ,1929 : 546 )
و الحكايات كثيرة عن العدل و الأمن الذي انتشر في عهد احمد ولد امحمد و من أشهر هذه الحكايات الشاة التي ذبح الأمير و أمر بشيها ثم حملت على ظهر حمار و ترك يتجول بها موسم الكيطنه وقد وضعت فوق اللحم المشوي سكين . فمن شدة هيبة الأمير ظل الحمار يتجول يوما كاملا و على ظهره هذا اللحم المشوي دون آن يتجرأ أحد على تناول شيء منه .
إن سياسة احمد ولد امحمد مبنية على تطبيق الشريعة و قد أحاط نفسه بمحكمة أي قاض و فقهاء مشهورين بكفاءتهم و ضمن لهم استقلاليتهم في إصدار الحكم .انه عندما تم تنصيبه جمع خيلا و جمالا معدة دائما للسفر على مقربة من الحلة ليكون قادرا على دفع كل تهديد . و كان محاطا بمحاربين أوفياء و كان لا يتردد في تحريك عدد كبير من الجنود لقمع المتمردين و للتدخل في تسوية مطالبات بثأر أو في الحروب القبلية .
في عهد الأمير احمد ولد امحمد بدأت تتحدد الحدود بين مختلف الإمارات، من الناحية الجنوبية تحددت من خلال النزاعات التي وقعت أو تلك التي تلوح في الأفق ، وفي جهة الشمال استفاد نفوذ الإمارة من علاقة الامير احمد ولد امحمد الممتازة ببعض قبائل الشمال مما ساهم في حضور اكبر للإمارة في تلك المنطقة و سمحت سنة أمطار غزيرة للأمير أن يتوغل حتى وادي ادرة .و في سنة 1880م تسلم الأمير احمد ولد امحمد رسالة وهدايا من سلطان المغرب يعترف له فيها بنفوذه الذي يصل الحدود الجنوبية للمغرب .و استقبل الأمير سنة 1886م وفدا من الاسبانيين الذين بدؤوا انطلاقا من مكاتب صرافتهم على الشواطئ الصحراوية يخاطرون بالتسلل داخل الإقليم .
ظل التوتر الطائفي قائما ، و في الوقت الذي كان الأمير يبدو أنه متحكم في الصراعات الطائفية التي بإمكانها إضعاف سلطته ، و جد الأمير نفسه مقحما في نزاعات معقدة لا يستوعب مداخلها و مخارجها و تضع في الواجهة مشاكل الثأر و الحروب القبلية بالإضافة للتحالفات الطائفية التي هي أساس سلطته ، لم يوفق الأمير في كل تدخلاته في الصراعات الطائفية فتم الهجوم عليه في ربيع 1891م في الوقت الذي كانت الحلة تنتجع في تكانت و كانت إصابته بليغة .
استدعى احمد ولد امحمد ابن عمه احمد بن سيد احمد و قال له : امرر ثلاث مرات من فوق جثتي و اعلم أننا سنحاسب جميعا أمام الله . و اعلم أنه على كل واحد منا واجب . اطلب منك أمورا ثلاثة :
- أن لا تترك دمي يطول عليه العهد في ادوعيش
- أن لا تحمل الحقد لذويك ( يلمح له أن لا يحمل الحقد على اديشلي )
- أن لا تبعد أبدا أولاد غيلان من الساحة السياسية لإمارتك
أجابه احمد ولد سيد احمد : مت أنت و سأبدأ أنا مهمتي ، لو منحك الله الحياة أسبوعا لشاهدت بأم عينك ما سيكون .
و بعد يومين مات احمد ولد امحمد ودفن ، و تولى الإمارة احمد ولد سيد احمد و التفت حوله معظم قبائل آدرار و خاصة من بني حسان ضد اديشلي و ادوعيش و شهدت فترته صراعات و حروب عديدة حتى لقب بأمير الحرب .
------------------
المرجع
مقتطفات بشيء من التصرف للاختصار أساسا و المحافظة على الالفة بحذف بعض الاسماء
من كتاب إمارة آدرار الموريتانية :الحريم التنافس الحماية في مجتمع قبلي صحراوي-تأليف بيير بونت ترجمة الدكتور محمد بن بوعليبه بن الغراب-الطبعة الأولى-منشورات دار الجسور-انواكشوط موريتانيا 2012
المصدر:موقع النسابون العرب